قصة القطرات الاربعه
كان في قديم الزمام، ملكٌ كبيرٌ حكيم، اسمه حسَّان.. وكان الملك حسان، يحبُّ الأذكياءَ، ويرفعُ قَدْرَهم، فهو يُقيم مُسابقةً، بينَ حينٍ وآخر، يطرحُ فيها سؤالاً واحداً، ومَنْ يجبْ عنه، يقلّدْهُ وساماً ملكيّاً رفيعاً.
واليوم. هو يومُ المسابقةِ الكبرى..
الملك حسان في شرفةِ القصر، وحولَهُ الوزراء والقُوّاد..
والساحة الواسعة، تغصُّ بالبشر ،من رجالٍ ونساءٍ وأطفال، وكلُّ واحدٍ يقول في سِّرهِ :
- ما سؤالُ اليوم ؟!
لقد حضر الناسُ، من أقصى المملكة، ليسمعوا السؤالَ الجديد ...
- ما أَغلى قطرةٍ في المملكة؟
- ومتى الجواب؟
- في مثل هذا اليوم، من العام القادم .
***
وانصرف الناسُ، يفكِّرون في السؤال ...
قال طفلٌ لأبيه :
- إذا عرفْتُ أغلى قطرة، هل أنالُ وسامَ الملك؟
ابتسمَ والدهُ، وقال :
- نعم يابني!
قال الطفل :
- قطرة العسل .
- لماذا؟
- لأنها حلوةٌ ولذيذةٌ.
وقالتْ طفلةٌ لأُمِّها :
- أنا أعرفُ أغلى قطرة..
- ماهي؟
- قطرة العطر..
- لماذا؟
- لأنَّها طيِّبةُ الرائحة .
***
وشُغِلَ الناسً بالقطرات، فهذا يقول :
- إنَّها قطرةُ الزيت..
وذاك يقول :
- إنَّها قطرةُ النفط ..
وأكثرهم يقول :
- سؤالُ الملكِ، ليس سهلاً، كما تظنّون !
فما القطرةُ التي يريد ؟!
***
قال عقيل :
- لن أهدأَ حتى أعرفَ الجواب ..
وأقبلَ على مطالعةِ الكتب، ومصاحبةِ العلماء
تارةً يقرأُ في كتاب ،وطوراً يصغي إلى عالم...
مضتْ عدَّةُ شهور، ولم يصلْ إلى مايريد!
وذاتَ يوم...
زار عالماً كبيراً، فوجدَهُ مُنكباً على تأليفِ كتاب ...
المحبرةُ أمامه والريشةُ في يده..
وفجأة ..
لمع في ذهنه الجواب :
- إنها قطرةُ الحبر!
رمزُ العلوم والأدبْ
لولاها ضاع تراثنا ..
لولاها ماكانتْ كُتُبْ
***
وفي مكانْ آخرَ من المملكة، كان ربيعةُ يمشي تعِباً، في أرضٍ قاحلة جرداء ..
اشتدَّ به العطش، ولم يعثرْ على ماء!
ظلَّ يسيرُ حتى وهنَتْ قواه، وأشرفَ على الهلاك .
- ماذا يعمل ؟!
وقف يائساً ، ينظرُ حوالَيه ..
شاهدَ بقعةً خضراء !
لم يصدِّق عينيه، وقالَ مُستغرباً :
- الأرضُ الميتةُ، لا تنتجُ خضرة!
ومع ذلك ..
سارَ نحو البقعة الخضراء، يدفعه أملٌ جديد...
وعندما وصل إليها ،وجد الماء !
أقبل عليه فرِحاً، يشربُ ويشربُ، حتى ارتوى تماماً..
حمد الله، وقعد يستريح، ويتأمَّلُ المياه،
وما يحيط بها، من عشبٍ غضٍّ، ونبتٍ نضير...
وتذكرَّ سؤال الملك، فنهض واقفاً، وقال :
- لقد عرفتُ أغلى قطرة !
إنَّها قطرةُ ماء
فيها أسرارً الحياة
إنَّها قطرةُ ماء
***
واختلط الحارثُ بأصنافِ الناس ...
شاهدَ البنَّاءَ الذي يحوِّلُ كومةَ الأحجارِ إلى قصر جميل، وشاهد النجارَ الذي يصنعُ من جذعٍ غليظِ خزانةً أنيقة...
وشاهد الفلاح الذي يحوِّلُ أرضه البَوار إلى جنَّةِ أشجارٍ وثمارٍ
شاهد وشاهد كثيراً من العمال، الذين يعمرون الوطن، ويسعدون البشر
وشاهد قطرات العرق، تزين جباههم السُّمر.. عادَ مسروراً ،وهو يقول :
- عرّفْتُها.. عرَفْتُها ... إنَّها قطرةُ العَرَق !
رمزُ النشاطِ والعملْ
تكرهُ كلَّ القاعدينْ
كأنَّها لؤلؤةٌ
تهَوى جِباهَ العاملينْ
***
أمْا طارق ، فقد وصلَ في أسفارهِ، إلى جنوب البلاد...
وجد الناسَ في هرج ومرج...
سأل عنِ الخبر، فقيل له :
- لقد اجتاز الأعداءُ حدودَ مملكتنا..
دخل السوقَ، فسمع كلماتٍ غاضبة:
- الأعداءُ يقتلون ويحرقون !
- إنَّهم يخربون مابناه العمال !
- ويفسدون زروعَ الفلاحين !
- ويلقون كتبَ العلماءِ في النهر!
- مياههُ تجري سوداء!
- حياتنا أشدُّ سواداً !
- هيّا إلى الجهاد !
- هيّا إلى الجهاد !
انضمَّ طارقٌ إلى المجاهدين، وانطلقوا جميعاً إلى الحرب، يتسابقون إلى الموت، ويبذلون الدماء، حتى أحرزوا النصر، وطردوا الأعداء ...
عادت الأرضُ حرَّةً ..
وعادتِ الحياةُ كريمةً
وعادَ الناسُ فرحين، يحملون شهداءهم الأبرار..
سقطَتْ على يد طارق، قطرةُ دمٍ حمراء ،نظر إليها طويلاً، وقال :
أنتِ أغلى القطرات
أنتِ رمزٌ للفداء
أنتِ عزٌّ للحياة
أنتِ روح للضياء
***
مضى عامٌ كامل، وحانَ موعدُ الجواب ..
الملك حسان في شرفةِ القصر، وحولَهُ الوزراءُ والقُوّاد..
والساحة الواسعةُ، تغصُّ بالبشر، من رجالٍ ونساءٍ وأطفال ...
وكلُّ واحدٍ يقول في سرِّه :
- مالجوابُ الصحيح ؟!
لقد حضر عقيل، ومعه قطرةُ حبر .
وحضر ربيعة، ومعه قطرةُ ماء .
وحضر الحارث، ومعه قطرةُ عرق .
وحضر طارق، ومعه قطرةُ دم..
إنَّهم أربعةُ رجال، يحملون أربعَ قطرات ..
والسؤالُ الآن :
- مَنْ سيفوزُ بالوسام ؟!